اعصفي يا رياحُ من حيثما شئتِ وعفِّي الطلولَ والآثارا |
وانسفي يا رياحُ آيةَ هذا الليل حتى يحورَ ليلاً سِرارا |
وازأري يا رياحُ في حرم الدهر زئيرًا يزلزلُ الأعمارا |
اعصِفي وانسفي كأنك سُخِّرت خبالا يساور الأقدارا |
اعصفي وازأري كأنك غيرَى قذفت حقدَها شرارًا ونارا |
اعصفي كالجنون في عقل صبٍّ هتك الغيظُ عزمَه والوقارا |
اعصفي كالشكوك في مُهجة الأعمى تخاطفْنَ حسَّه حيث سارا |
اعصفي كالفناء ينتسِف الأوكارَ نسفًا ويصرع الأطيارا |
اعصفي كالوفاء صادمه الغدر فأغضى إغضاءة ثم فارا |
اعصفي كالضلال يسخر من هادٍ أذلَّ القِفار علمًا، وحارا |
اعصفي كالأسى أفاق من الصبر فلم يستطع قرارًا، وفارا |
اعصفي وانسِفي، فما أنت إلا نعمةٌ تنشئُ الخراب اقتدارا |
عالمٌ لم يكن ولا السَّاكنوه غيرَ أشباحِ نقمةٍ تتبارَى |
انظري يا رياح يا وَحشة الطرف إذا دار يَمنة أو يسارا |
ما الذي تبصرين أشباح فانين مرارا ترى وتخفى مرار |
وُجِدوا ثم أَوْجدوا ثم بادوا واحتذى نَسلهم فزاد انتشارا |
وتمادى البقاء فيهم دواليك فشيء بدا وشيء توارى |
أوغلوا في الحياة جيلا فجيلا وتجلى طريقهم وأنارا |
فمضوا يبدعون في حيث حلوا وتباروا حضارة وابتكارا |
ما كفاهم ما بلغوا فاستطالوا ثم خالوا فأسرفوا إسرارا |
شغفوا بالخروج من هذه الدناي فأعطتهم الخلود المُعارا |
عمروا الأرض زينة ومتاعا ثم نودوا كفى البِدار البِدارا |
ثم مروا أشباح فانين ما تملك في حَوْبة الزوال قرارا |
لم يكن غير حتفة البرق إذ تبني وتعلي ولم يكد فانهارا |
ذهبت ريحهم وهبت رياح فأقامت على القبور الديارا |
ظل هذا الإنسان يكدح للخلد وأقسى الخلود كان فصارا |